من أسرى أمريكيين إلى متعاونين مع العدو... حركات "الإسلام السياسي" هل تسير بنفس الطريق؟


من أسرى أمريكيين إلى متعاونين مع العدو... حركات "الإسلام السياسي" هل تسير بنفس الطريق؟



دروس في التأثير و تغيير المواقف نتيجة دراسات نفسية عن تعاون الأسرى الأمريكيين مع المحققين الصينيين و انقيادهم لهم و دراسات نفسية و إجتماعية أخرى من كتاب التأثير و سيكلوجية الإقناع للبروفسور روبرت شالديني و الكتاب من أعلى الكتب مبيعا في أمريكا و قد تم اعتماده كأحد الكتب الأساسية لمجموعة أعمال دار هاربر للنشر.
Influence: The Psychology of Persuasion by Ph.D. Robert Cialdini.  National bestseller and a Harper Business Essentials book.

التأثير بمبدأ الإلتزام و التوافق/الإنسجام Commitment and Consistency

"قصتنا تبدأ مع الأسرى الأمريكيين العائدين من معسكرات الإعتقال في الصين الشيوعية بعد الحرب الكورية و النجاح المقلق للمستجوبين الصينيين في إنتزاع الطاعة من الجنود الأمريكيين بدون إستخدام الأساليب الوحشية و التعذيب!  أسلوب الصين الحمراء كان مختلفا تماما عن حلفائهم في كوريا الشمالية الذين اعتمدوا على القسوة المفرطة في الإستجواب و كانت فعالية الأساليب المتبعة في الصين أعلى بكثير من أساليب التعذيب الجسدي القاسية في كوريا الشمالية.  فعلى سبيل المثال كان الجنود الأمريكيين المأسورين في الصين متعاونين إلى أقصى الحدود في الإبلاغ عن محاولات الهروب لزملائهم فكانت أغلب محاولات الهروب تبوء بالفشل أو يتم إكتشافها حتى قبل البدء بها! و حتى عندما كان ينجح أحدهم في الهرب كان الصينييون يستردونه بسهولة بالغة بمجرد عرض مكافأة لا قيمة لها ككيس من الرز.  الحقيقة المرة كانت أن غالبية الجنود الأمريكيين كانوا متعاونين مع العدو بطريقة أو بأخرى.  كان نجاح الصينيين صادما لأن سلوك الأسرى الأمريكيين في الحروب السابقة كالحرب العالمية الثانية كان مختلفا تماما من حيث المعنويات و الإنصياع لطلبات العدو و التعاون معه و الإنضباط و الشكوك حول دور أميريكا.

كان هذا النجاح هو الباعث على تشكيل فريق التقييم النفسي و العصبي بقيادة الدكتور هنري سيغال الذي قام بفحص أسرى الحرب العائدين و استجوابهم بشكل مكثف للوقوف على طرق الصينيين في الإستجواب و تحقيق التعاون المطلوب من الأسرى.  و تبين جليا أن البرنامج في السجون الصينية إعتمد بشكل كبير على أمرين "الإلتزام" و "التوافق أو الإنسجام" Commitment and Consistency.

أول سؤال واجه الصينيين كان "كيف بالإمكان أن نحصل على أي نوع من التعاون من الأمريكيين في حين أن هؤلاء الجنود مدربون على عدم إعطاء أي معلومات سوى الإسم و الرتبة و الرقم التسلسلي"...  الجواب كان حاضرا لدى الصينيين "إبدأ صغيرا و إبني على ذلك".


"الإلتزام" عديم القيمة قد يكون قيما للغاية!
كان الصينييون يطلبون من الأسرى و بشكل متكرر أن يعطوا تصريحات في غاية البساطة تبدو و كأنها عديمة القيمة و بدون أي أثر يذكر مثل: "الولايات المتحدة الأمريكية ليست كاملة" أو "في الدولة الشيوعية البطالة ليست مشكلة".  و لكن ما أن تتم تلبية هذه الطلبات البسيطة فإن الأسرى يجدون نفسهم تحت الضغط لإعطاء طلب آخر أكثر قيمة ذي صلة بالتصريح الأول.  فمثلا الأسير الذي يوافق مع المستجوب الصيني على أن الولايات المتحدة ليست كاملة من الممكن أن يطلب منه كتابة قائمة بتلك المشكلات في أمريكا التي تجعلها غير كاملة و أن يوقع بإسمه على القائمة.  و فيما بعد قد يطلب منه قراءة هذه القائمة في مجموعة نقاش مع الأسرى الآخرين "فذلك بالنهاية ما تعتقده أنت, أليس كذلك؟"  و قد يطلب منه بعدها أن يكتب مقالا يتوسع فيه بشرح تفصيلي للنقاط التي كتبها في قائمته و جوانب تلك المشاكل.  ثم قد يستخدم الصينييون مقاله و اسمه في بث على الراديو المعادي للأمريكان ليس فقط على أسماع المعسكرالذي يعتقل فيه و لكن في كل معسكرات الإعتقال و حتى في المعسكرات في شمال كوريا... لا بل حتى في بث موجه للقوات الأمريكية المقاتلة على الجبهة في كوريا الجنوبية و فجأة يجد السجين نفسه متعاونا مع العدو... و يدرك في نفسه أنه قد كتب مقالا بدون تهديدات شديدة و بدون إكراه فينتهي به الأمر إلى تغيير نظرته إلى نفسه حتى يصبح متوافقا و منسجما (consistent) مع الفعل الذي قام به و يجد نفسه في حاجة للتأقلم مع التعريف الجديد لنفسه (متعاون مع العدو) و بذلك يتطور الأمر تلقائيا في كثير من الأحيان بأعمال أخرى من التعاون المكثف مع المحققين الصينيين.  فحسب الدكتور ستشين: (غالبية من تعاونوا في وقت من الأوقات كانوا يقومون بعمل أشياء تبدو تافهة و عديمة القيمة و لكن الصينيين كانوا يقومون باستغلالها لمصلحتهم... و كان ذلك فعالا بشكل خاص في استخراج اعترافات و نقد للذات و إعطاء معلومات خلال الإستجواب) انتهى كلامه.

العوامل التي تجعل الإلتزام أكثر فعالية في تغيير مواقف الناس و إعطائهم دافعا للإنسجام مع إلتزامهم:
1) الفعل السحري (الكتابة) و تأثير إنطباع الناس عنك على تصرفاتك
إن أفعال الناس تساعدهم في تحديد من هم و نظرتهم إلى أنفسهم أكثر من أقوالهم فقد لاحظ الصينييون أن الرجل يراقب تصرفاته السابقة و كأنها المصدر الرئيسي لمعلوماته عن نفسه و تحديد شخصيته و لذلك فقد صممت تجربة الأسر بحيث يتصرف الأسير بشكل مستمر منسجم و متوافق مع رغبة الصينيين و وجهة نظرهم و كانت الكتابة أحد طرق التأكيد التي أصر الصينيون عليها باستمرار فلم يكن كافيا أن يصغي الأسرى أو يوافقوا بتكرار الكلمات بل كان يتم الضغط عليهم لكتابة ذلك أيضا.  فالكتابة توفر دليلا ملموسا على أن الحدث قد تم بالفعل بالإضافة إلى أن ذلك قد يستخدم للتأثير على الآخرين عند إطلاعهم عليه.  و لكن الأهم من ذلك أن هذا الإلتزام الخطي يترك إنطباعا لدى الآخرين بأن هذا هو الإحساس الحقيقي لكاتبه. -( إضافة على النص الأصلي للكتاب - هنا يمكننا أن نضيف فعل التسجيل الصوتي أو المرئي لفعل الكتابة فأثره يشبه ذلك إلى حد كبير و كما أنه لم يكن بالإمكان جعل التسجيلات المرئية متاحة على مدار الساعة كوسيلة للتوثيق إلا أن ذلك قد أصبح ممكنا الآن بالوسائل الحديثة- انتهت الإضافة).

الأمر الغريب هو أن القاريء حتى و إن علم بأن الكاتب لم يختر كتابة تلك السطور بمحض إرادته فإن القراء يستمرون بالإعتقاد بأن تلك الكتابات تمثل حقيقة إعتقاده و هناك دليل علمي على ذلك يأتي من دراسة عالمي النفس إدوارد جونز و جايمس هاريس و تجربتهم باختصار هي أنهم أطلعوا مجموعة من الناس على مقالة تمتدح فيدل كاسترو و قالوا لبعض الأشخاص أن الكاتب قد إختار بنفسه أن يكتب عن ذلك و قالوا للبعض الآخر أنه قد طلب من الكاتب أن يكتب عن محاسن فيدل كاسترو ثم طلبا من الجميع أن يخمنوا حقيقة مشاعر الكاتب.  و كان الغريب أن الجميع خمن أن الكاتب يفضل فيدل كاسترو حتى الذين علموا بأن الكاتب كان لزاما عليه أن يكتب عن محاسن فيدل كاسترو!

و كما أن رؤية الناس لك و اعتقادهم بحقيقتك يؤثر بشكل عميق على تصرفاتك المستقبلية حتى و إن لم تكن تحمل هذا الإنطباع عن نفسك أساسا.  ففي دراسة عن مجموعة من ربات البيوت بمنطقة نيو هافين سمعن بأنهن يعتبرن معطاءات للمجتمع من قبل آخرين فقمن نتيجة لذلك بإعطاء كمية أكبر بكثير من النقود لصالح جمعية خيرية من غيرهن ممن لم يسمعن بذلك.  فإن مجرد انطباع الآخرين عن مجموعة من الناس بأنهم أكثر عطاءا و خيرية دفع بربات البيوت لجعل أعمالهن أكثر توافقا مع إنطباع الآخرين عنهن.

2)  الإلتزام العلني:
أحد الأمور التي تجعل الإلتزام فعالا في تغيير تصرفات الفرد ليتوافق و ينسجم معه هو كونه علنيا.  وكان الصينيون يدركون أثر ذلك تماما فكانوا يطلعون الآخرين بشكل علني و مستمر على العبارات الموالية للشيوعية, و إذا ما أعجبو بمقال كان يوزع ويعلق في معسكر الإعتقال أو يتم قراءة المقال بالراديو و كلما كان الفعل علنيا أكثر كلما كان أفضل, لأن الشخص كلما أخذ موقفا مشاهدا من الآخرين فإنه تظهر لديه الحاجة و الدافع للمحافظة على ذلك الموقف ليبدو كإنسان لديه مبدأ ثابت... كإنسان منسجم مع ذاته و مواقفه و متوافق مع أفعاله.
(فالشخص الذي يتصرف بأشكال متناقضة يبدو و كأنه شخص متقلب, مضطرب, غير واثق, مشتت الفكر, غير جدير بالثقة و هذه الخصائص كلها مكروهة من المجتمع و من الشخص نفسه.  بينما يبدو الشخص المتوافق الثابت في تصرفاته و أفعاله بأنه عقلاني, واثق, جدير بالثقة, سديد الرأي و لذلك فإنك تجد الناس يسعون دائما لأن يكونوا متوافقين في تصرفاتهم و يتجنبوا كل ما يمكن إعتباره متضاربا في أفعالهم.

3)  الجهد الإضافي المبذول يؤدي إلى التزام أعلى:
كلما كان الجهد المبذول أعلى للإلتزام بأمر ما كلما كان الأثر أعمق على تصرفات الشخص الذي قام بذلك الإلتزام.  في عام 1959 قام الباحثان إليوت أرونسون و جدسون ميلز بدراسة بينت أن الشخص الذي يخوض ألما و عنادا شديدين في سبيل الحصول على شيء ما فإنه يقوم بتقييم هذا الشيء بشكل أعلى بكثير ممن حصل على نفس الشيء بجهد قليل.

4)  الإختيار الذاتي:
و هو العامل الأكثر أهمية من العوامل الثلاثة السابقة مجتمعة.  نعود إلى تجربة المعتقل الصيني لدراسة الأمر عن كثب.  أول ما يتبادر إلى الذهن أنه من المنطقي أن تكون الجوائز لتحفيز التعاون ذات قيمة عالية لمن يفوز بمسابقة في كتابة مقال موال للشيوعية و ذلك لإجتذاب أكبر عدد ممكن من المشاركين و لكننا نجد أن الجوائز كانت ذات قيمة قليلة فمن بعض السجائر إلى القليل من الفواكه الطازجة بالطبع إن هذه الجوائز ذات قيمة في الأسر و في بيئة من الحرمان و لكن الصينيين لم يعمدوا إلى جوائز ذات قيمة كبيرة مثل ملابس دافئة أو امتيازات في حرية الحركة في المعتقل أو في البريد و الإتصال بالعالم الخارجي.
كان هدف حجب الجوائز الكبيرة هو أن يحس الأسرى بأنهم هم أصحاب القرار فيما فعلوا بدون أية أعذار و لا حتى أمام أنفسهم و ذلك الأهم. فلا يستطيع أحدهم أن يقول لنفسه أنه فعل ما فعل بسبب جائزة كبيرة.  كان على الرجال أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم كاملة.
حدد علماء الإجتماع أننا نتقبل مسؤولية ذاتية للأفعال التي نقرر القيام بها في غياب ضغوط المؤثرات الخارجية التي قد تدفعنا للقيام بعمل معين.  و المكافآت الكبيرة هي أحد تلك الضغوطات الخارجية التي قد تدفعنا للقيام بعمل معين و لكنها لا تدفعنا لقبول المسؤولية الذاتية الداخلية لذلك العمل و لذلك فإننا لا نشعر بأننا ملزمون به.  و كذلك الأمر بالنسبة للتهديدات القوية و التي بإمكانها تحفيز طاعة و استجابة فورية و لكنها نادرا ما تؤدي إلى إلتزام طويل الأمد.  و لهذا تطبيقات في تربية الأبناء أيضا و لكن تلك قصة أخرى في دراسة لجوناثان فريدمان مذكورة بالتفاصيل في الصفحة 94 من كتاب (التأثير: سيكولوجية الإقناع.  للبروفيسور روبرت شالديني)."

منقول بتصرف من كتاب "التأثير: سيكولوجية الإقناع" للبروفيسور روبرت شالديني (Influence : The Psychology of Persuasion) و هو أحد الكتب الأكثر مبيعا في أميريكا و تم إعتماده كأحد الكتب الأساسية للأعمال.  تم التلخيص من فصل الإلتزام و التوافق مع التركيز على تجربة الجنود الأمريكيين أثناء الحرب الكورية و التقييم النفسي لهم.

ما علاقة كل ذلك بالإسلام السياسي؟ إن الانحراف و التصريح البسيط يبدأ غير ذي أهمية و لكن سرعان ما نراه يهدم المنهج كاملا و يغير مساره.  و إذا اقترن ذلك بكل العوامل التي تجعل الإلتزام فعالا في تغيير تصرفات الأفراد و مواقفهم حتى تنسجم مع تصريحاتهم تجد أن الأمر يزداد خطورة يوما بعد يوم.

أنظر كيف بدأ الأسير الأمريكي بعبارة بسيطة (مثل أمريكا ليست كاملة) أو (الشيوعية ليس فيها مشكلة بطالة) و تدرج حتى أصبح في النهاية واشيا عن رفاق سلاحة إن حاولوا الهرب من معتقلهم! قارن ذلك بعبارات بدأت فيها الحركات الإسلامية السياسية تبرر خوض غمار السياسة بالتنازل عن مبدأ سيادة الشريعة و هم يبررون قبولهم بمبدأ الديمقراطية من غير قيد أو شرط إذا اصدمت بالشريعة فأصبحت الديمقراطية في ظل الواقع الجديد حلالا و القسم على إحترام دستور غير إسلامي في مجلس الشعب حلالا مبررا و إن كان قد سيق من الأدلة الشرعية الكثير الكثير مما يوضح تلك الأخطاء المتتالية و التي تزداد عظما في آثارها يوما بعد يوم إلا أن الربط هنا يأتي من الناحية النفسية و من زاوية عقلية بحتة لدراسة بعد آخر بالإضافة إلى البعد الشرعي الذي تم تأصيله في دروس الدكتور إياد القنيبي بسلسلة بعنوان نصرة للشريعة.  

ما ورد في هذا الملخص يظهر أثر و خطر الإلتزام البسيط (كلمة هنا و جملة هناك) و التصريح الذي قد يعتبره البعض غير ذي قيمة ثم نجد الركب ينحرف بشكل شبه كامل.  فالديمقراطية التي تجعل الحرام مباحا و تجعل الكلمة العليا للمجلس النيابي في قبول أو رفض أوامر الله أصبحت اليوم حلالا... لا بل و أصبحت إسلامية ثم تجد انحرافا أخطر بقول أن الحدود في الإسلام ليست من الشريعة بل من الفقه الإسلامي.  ثم تجد الإعلان صراحة بأن السيادة للشعب وحده دون أي ذكر لشريعة الله و تجد في أحيان أخرى تصريحات في غاية الإبتعاد عما يمكن أن يسمى إسلاميا فمثلا الحزب "الإسلامي" لم يأت لتطبيق شريعة الله!

فانظر إلى خطاب الحركات "السياسية الإسلامية" في كل البلدان ستجد أنها بدأت كما بدأ الأسير الأمريكي بعبارة تبدو في غاية البساطة ثم إلى إعتراف و دفاع كامل عن مبدأ سيادة البرلمان و الدستور بدلا من سيادة القرآن.  و ستجد أن عامل (الكتابة السحري و تأثير انطباع الناس عنك) حاضر و بقوة في كتابات المدافعين عن خوض غمار البرلمان ثم في كون أن الناس يكونون إنطباعا عن تلك الحركات بأنها تجد في سيادة البرلمان و الشعب و الدستور أمرا محقا صائبا فيزداد تمسك تلك الجماعات بتلك المباديء الفاسدة حتى تبدو منسجمة متوافقة مع إنطباع عموم الناس عنها و تجد عامل الإلتزام العلني حاضرا و بقوة سواء في القسم لأعضاء البرلمان أو في القسم الرئاسي أو في الخطابات الرنانة و تسجيل ذلك على شبكة الإنترنت و غيرها فتكون كمن ينسج لنفسه فخا محكما لا يمكنه التراجع عنه و إلا "(فالشخص الذي يتصرف بأشكال متناقضة يبدو و كأنه شخص متقلب, مضطرب, غير واثق, مشتت الفكر, غير جدير بالثقة و هذه الخصائص كلها مكروهة من المجتمع و من الشخص نفسه.  بينما يبدو الشخص المتوافق الثابت في تصرفاته و أفعاله بأنه عقلاني, واثق, جدير بالثقة, سديد الرأي و لذلك فإنك تجد الناس يسعون دائما لأن يكونوا متوافقين في تصرفاتهم و يتجنبوا كل ما يمكن إعتباره متضاربا في أفعالهم.)"  ثم نجد عامل بذل الجهد الإضافي لتحصيل دخول الرئاسة و البرلمان حتى تكون تلك القيمة مرتفعة في نفوس من طلبها فالفوز في الرئاسة بمصر مثلا صعب جاء بعد إستثناء المرشح الأول ثم الزج بمرشح آخر و ليس من الجولة الأولى و ليس حتى بفارق كبير بل بفارق ضئيل جدا عن مرشح ظاهر الفساد و جهد كبير تم في حشد الأصوات و تنظيم الحملات ثم تجد العامل الأخير و هو الأهم من العوامل السابقة مجتمعة و هو أن لا يرتبط العمل بجائزة كبرى فماذا كانت الجائزة هل كانت التمكين للشرع أم سيادة المسلمين أم نصرة أهل المقدس و غزة و سوريا أم كتابة دستور بشكل إسلامي أم تشكيل حكومة إسلامية صرفة أم أخذ السلطة من يد العسكر؟  لا الجائزة مقعد الرئاسة منزوع الصلاحيات يحكم بالديمقراطية و حل مجلس الشعب ذي الأغلبية "الإسلامية" و بقاء العسكر بيدهم التشريع و تشكيل حكومة تراعي مصالح الشعب و تهمل مصالح الشرع.  جائزة لها قيمة و لكنها قيمة بسيطة لتبقي أثر العامل الذاتي بعيدا عن كل مؤثر خارجي بحيث لا يقول أحد لنفسه فيما بعد أنني قد فعلت ذلك سعيا لتحقيق مصلحة شرعية عليا... لإعلاء كلمة الله... كلا عندما أنظر إلى المرآة مساءا أعلم أنني فعلت ذلك للحصول على منفعة كان يمكن لأي شيوعي أو قومي أو علماي أن يفعلها... و قناعتي منبثقة من نفسي و ذاتي "(كان هدف حجب الجوائز الكبيرة هو أن يحس الأسرى بأنهم هم أصحاب القرار فيما فعلوا بدون أية أعذار و لا حتى أمام أنفسهم و ذلك الأهم. فلا يستطيع أحدهم أن يقول لنفسه أنه فعل ما فعل بسبب جائزة كبيرة.  كان على الرجال أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم كاملة)" و لا حول ولا قوة إلا بالله.

و أخيرا فليس الهدف من هذا المقال هو تحديد الموقف بناءا على الأدلة العقلية فهي معرضة للآراء و الإجتهادات و الخطأ و الصواب و إنما تحدد المواقف بناءا على الأدلة الشرعية فالحكمة الربانية و إن أخطأتها عقولنا لقصرها فينبغي لإيماننا أن يسوقنا إلى خيرها و لا شك أن من أعظم الخير أن تصيب الحق لطاعة الله لا تريد بذلك إلا الإنقياد لأوامره لا لطاعة الهوى و لا لتحقيق مصلحة مهما عظمت.  إنما تساق هذه الأدلة العقلية إستئناسا و محاولة لفهم الحكمة و لبيان ذلك فربما كان في ذلك تجلية لمن وجد في قلبه شيئا حتى يدرك أن الحكمة كل الحكمة هي باتباع أوامر الله و سنة نبيه و إن كان ذلك من طرف بعيد قد غاب عنه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Destroying A King's School in Jordan (Built in 1947)

Can't stop thinking about your Grave...